Thursday 26 July 2012

تطورات الموقف في سورية

تطورات الموقف في سورية
7/27/2012 3:19:00 AM
تطورات الموقف في سورية

طرأت تغييرات كبيرة وخطيرة على المشهد السوري، الذي أصبح يقترب من درجة الحسم بصورة دراماتيكية سريعة، فمقتل أركان خلية الأزمة شكل هزة عنيفة للنظام، بغض النظر عن بعض جوانب الغموض التي احاطت بعملية التفجير المتقنة والمتطورة، وكذلك تعاظم حركة الانشقاق التي اصبحت تنال السلك الدبلوماسي الى جانب الجهاز العسكري بطريقة تقترب من مشهد نظام القذافي فبل لحظة السقوط، مما جعل المواجهة تنتقل الى مرحلة الندية والتكافؤ، مما دفع النظام الى استخدام سلاح الجو، فقد تناقلت الاخبار عن استخدام طائرات"الميغ" الروسية الصنع في معركة حلب الشرسة إضافة الى المروحيات، والمدفعيّة الثقيلة.التغيير الاكثر خطورة في المشهد السوري ما يتعلق بالترسانة الكيميائية والجرثومية، التي كانت تخضع لسياسة الغموض وعدم الاعتراف الرسمي من قبل النظام بامتلاكها، ولكنه اضطر مؤخراً للتصريح والاعتراف بامتلاكها والتهديد باستعمالها في حالة تعرض النظام لتدخل خارجي.من المعروف ان اسلحة الدمار الشامل تمثل خياراً وقائياً في الاستراتيجيات العسكرية العالمية وانه لا يتم استخدامها إلاّ في الظروف الخطيرة الاستثنائية التي تهدد وجود الدولة، ولذلك فإن تصريح الخارجية السورية بامتلاكها والتهديد والتلويح باستعمالها يمثل خطاً استراتيجياً حقيقياً في حرب الوقاية التي لجأ لها النظام، مما يؤكد ان النظام يقبع في الحصن الاخير ما قبل السقوط، اذ ان استخدام سلاح الجو والتهديد باستخدام الاسلحة الكيميائية والجرثومية يعبّر عن حالة اليأس التي تنذر بمستقبل النظام الآيل للسقوط الحتمي القريب.الوصول بالمشهد السوري الى هذه اللحظة الغارقة في الدماء والتدمير والفوضى كانت نتيجة حتمية لاستخدام خيار العنف والقوة في مواجهة ثورة الشعب السوري، وكان يعتقد النظام انه سوف يكرر مشهد حماة في عام 1982م، ولكنه غفل غفلة الموت هو وكل من قدم له النصيحة وكل من شد على يديه في هذا المسلك المروّع لأن الثورة في هذه المرّة مختلفة اختلافاً جذريّاً، فالثورة ثورة شعب بأكمله، بكل مكوناته واطيافه السياسية، وهي ليست ثورة فصيل او تيار سياسي محدد، كما انها جزء من ثورة عربية عارمة اطاحت أنظمة مستبدة قوية كانت ترتكز على العصا الامنية وسياسة القمع والتنكيل لعقود طوال، فكما كانت سبباً في استمرارها لهذه السنوات، كانت أيضاً سبباً للنهاية والسقوط المدوّي.كان بمقدور النظام ان يتلاشى هذه النهاية الدموّية المأساوية لو كان سلك مسلك الاصلاح الحقيقي الذي يقتضي تنازلات مؤلمة وإجراء تغييرات جوهرية في بنية النظام السياسي من خلال اجراء جراحة سياسية عميقة تقوم على حل الحزب الحاكم وبناء توافق وطني مع كل اطياف المعارضة على ايجاد دستور جديد يهيئ لإعادة السلطة للشعب بشكل حقيقي قاطع، وإجراء انتخابات عامة باشراف عربي وإسلامي يهيئ لانتقال السلطة بشكل سلمي، بعيداً عن خيار الدم والقتل والسحق للمخالف حتى ولو استخدم كل وسائل التضليل الإعلامي وفبركة التهم الجاهزة للمعارضة بالخيانة، والارتكاز على سياسة الاتهام بالعمالة للأجنبي، فهذا كله اصبح بضاعة قديمة، لا تصمد امام وعي الشعوب وثورة المعلومات والاتصالات القادرة على كشف الحقائق والزيف خلال وقت قصير.الدرس السوري درس عربي آخر لبقية الانظمة التي تقف على رصيف الانتظار وينبغي ان تعلم ان المرحلة المقبلة لا بقاء فيها للأنظمة المستبدة، والأنظمة القمعية مهما امتلكت من اجهزة أمن وأدوات قتل، فهذا كله لا يصمد امام ثورة الوعي التي تجتاح المنطقة العربية كلها بلا استثناء وجعلت الشعوب تزحف صوب الحرية وتحرير الارادة الشعبية التي تهدف الى استعادة حقوقها المسلوبة كافة وأولها حقها في السلطة واختيار الحكومات.استخدام القوة والعنف، واستخدام التضليل الإعلامي والمال السياسي يطيل امد المعركة فقط مع الشعوب، ولكنه لا يمنع المصير المحتوم ويحمل آثاراً مدمرة على المدنيين وعلى المؤسسات، ويزيد حجم الخسارة ويعرض البلاد للتدخلات الأجنبية التي ما كانت لتتم إلاّ بخيار الزعماء الخاطأ الذي لا يخرج عن سياق (علىّ وعلى اعدائي) .
(العرب اليوم)

No comments:

Post a Comment