Thursday 7 June 2012

إصرار على العنف واحتقار للشعب السوري وتحريض على الطائفية!../ صالح القلاب


إصرار على العنف واحتقار للشعب السوري وتحريض على الطائفية!../ صالح القلاب 
الشرق الأوسط
هناك مثل عربي يقول: «أراد أن يكحلها فعور عينها» فالرئيس السوري بشار الأسد الذي من المفترض أنه تعلم من تجربة الخمسة عشر شهراً، منذ بداية هذه الأحداث التي بقيت تضرب بلده بعنف متصاعد، وأنه أصبح أكثر استعداداً للتصالح مع شعبه أظهر في خطابه الأخير، وهو الخطاب الخامس بعد انطلاق هذه الثورة المتصاعدة، أنه مصمم على خيار الحسم العسكري حتى النهاية وأن ما تحدث به من أمور خطيرة بالطريقة التي تحدث بها يظهر وكأن خيار الحرب الأهلية بات خياره الأخير الذي لا خيار غيره.

وخلافاً لما توقعته بعض قوى المعارضة فقد ثبت أن بشار الأسد حتى بعدما وصل حدُّ السكين إلى حلقومه لا يزال مصراً على العنف وعدم التحدث إلى شعبه بلغة غير اللغة التصعيدية السابقة وأنه لا يفكر مطلقاً في أن يبادر إلى إبداء استعداد للتصالح مع هذا الشعب على أساس الاستجابة لبعض مطالبه الإصلاحية والإعلان عن فتح صفحة جديدة وأنه عفاً الله عما سلف ولتذهب الضغائن إلى الجحيم والوطن فوق الجميع.

كان الذين يراقبون المشهد عن بعد يتوقعون أن يبادر رئيس بدأت سفينة حكمه بالغرق إلى امتصاص غضب شعبه إزاء جريمة «الحولة» التي اعتبرت إحدى أبشع الجرائم الإنسانية التي عرفها التاريخ وإلى تنفيس رد الفعل الدولي الرسمي والشعبي على هذه الجريمة، التي اعتبرت نقطة تحول أساسية في سير الانتفاضة الشعبية التي كانت بدأت في حادثة درعا المعروفة في مارس (آذار) عام 2011، باستخدام لغة عقلانية تصالحية هادئة بعيدة عن العنجهية البعثية المعروفة وبعيدة عن الاستفزاز والمفردات الانتحارية التي لا يقولها إلا من أحس بأن ظهره أصبح إلى الحائط وعلى أساس ما جاء في إحدى قصائد الشاعر الفلسطيني المُبدع معين بسيسو الذي كان قال في لحظة سوداوية تدنت فيها مساحات الأمل حتى حدود التلاشي:

أنْت إنْ قلتها مُتْ
وإن لم تقُلْها مُتْ
..فقلها ومتْ!!

لقد توقع الشعب السوري، الذي ذاق الأمرين ونزفت منه دماء غزيرة خلال مسيرة العنف التي اختارها هذا النظام والتي تواصلت على مدى خمسة عشر شهراً والتي من الواضح أنها ستستمر أكثر وأكثر، أن يسمع من رئيسه كلاماً غير الكلام الذي قاله في خطبه الأربع السابقة وأن يلمس من هذا الرئيس، المحاط بمجموعة من أبناء الخؤولة والعمومة الذين يزايدون عليه في التطرف والذين يدفعونه دفعاً إلى الانتحار، ميلاً جدياً وصادقاً إلى الالتقاء مع مطالب هذا الشعب، التي كلها مطالب محقة، في منتصف الطريق وأن يعلن لـ«القاصي والداني» أن صفحة العنف غدت مطوية وأن الجميع، المعارضة والحكم، في قارب واحد وأن الإصلاح الحقيقي المقبول من غالبية أبناء سوريا سوف يبدأ على الفور ووفقاً لجدول زمني يبدأ بحل مجلس الشعب الجديد هذا والإعلان عن انتخابات تشريعية فعلية قريبة وبمجرد الانتهاء من الالتقاء مع المعارضين، بمن فيهم الذين لجأوا إلى خيار العنف والسلاح، حول مائدة حوار مستديرة والاتفاق على عملية تصالحية عنوانها التأسيس لتغييرات شاملة وانتخابات رئاسية جديدة حقيقية وفعلية بعد فترة انتقالية تكون قصيرة الأمد ومحدودة الزمن.

لكن هذا لم يحصل فـ«الطبع غلب التطبع» وقد بدا الرئيس بشار الأسد وهو يدخل قاعة مجلس الشعب، الواقعة في ذلك المبنى الجميل الواقع في منتصف شارع الصالحية بالقرب من نادي الضباط القديم، متجهماً يبتلع ريقه بعصبية جنونية على غرار الحالة التي بدا عليها عندما دخل إلى هذه القاعة نفسها في عام 2005 ليعلن انسحاب وحدات «الجيش العربي السوري» من لبنان تحت ضغط القرار الدولي المعروف رقم 1559 بعد بقاء استمر لنحو ثلاثين عاماً وأكثر إن في عهد والده الراحل وإن في عهده الذي من غير المستبعد أن يختتم بأن يصبح مطلوباً للمحكمة بتهمة تدبير جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري التي تم توجيه الاتهام بارتكابها رسميا إلى عناصر في حزب الله اللبناني الذي يعتبره البعض فرعاً من فروع الاستخبارات العسكرية السورية.

ثم ولأن «من في بطنه حمص لا يستطيع النوم»، كما يقول المثل الشعبي، فإن بشار الأسد وكما في كل مرة سابقة وكما في كل خطاب سابق قد حرص على تبرئة نفسه وإلقاء المسؤولية على الآخرين ووصف منفذي مجزرة الحولة التي راح ضحيتها أكثر من مائة قتيل معظمهم من الأطفال والنساء بأنهم وحوش وهو قال: «حتى الوحوش لا تقوم بما رأيناه.. وإن اللغة البشرية غير قادرة على وصفه» وبالطبع فإن الرئيس السوري، الذي بدا مرتبكاً وواصل بلع ريقه باستمرار مما يدل على حالته النفسية المضطربة لم ينسَ أن يكرر، لإبعاد التهم المستقبلية عن نفسه، أن بعض الأفراد قد وقعوا في أخطاء، من حين لآخر، وأن ما قاموا به كان مجرد تصرفات فردية لا تتحمل مسؤوليتها القوات المسلحة كمؤسسة ولا قياداتها العليا «والخطأ يتحمله الشخص الذي ارتكبه حصراً ولأنه يعبر عن نفسه لا عن غيره ولا عن تعليمات رؤسائه ولا عن سياسات مؤسسته».

في كل خطابه لم يتردد في أن يطلق صفة «المرتزقة» على قطاع واسع من هذا الشعب ويشير إلى أن «البعض يتقاضى أموالاً ليخرج في مظاهرات.. وهناك شبان في سن المراهقة أُعطوا نحو ألفي ليرة سورية لقتل كل شخص».

وحقيقة أن هذه إهانة من قبل رئيس لشعبه لم يقدم عليها أي رئيس قبله لا في سوريا ولا في غيرها فوصف حتى جزء من الشعب السوري بأنه مرتزقة وأنه يتظاهر بدفع من الخارج هو إهانة لهذا الشعب كله وهو يدل على أن بشار الأسد قد وصل به الغضب والحقد إلى حد قول مثل هذا الكلام الذي من غير المقبول أن يوجهه أي رئيس لشعبه وحتى وإن أصبحت الأمور ما بينه وبين هذا الشعب «ما صنع الحداد» كما يقال!!.

وحقيقة أن من يعود ليتمعن في هذا الخطاب الذي تضمن تحريضاً طائفياً وإن بصورة غير مباشرة سيجد أنه بمجمله يدل على أن الرئيس السوري يعيش أزمة طاحنة وخانقة وأنه حاول الالتفاف على هذه الأزمة من خلال التذكير بمذبحة حماه الشهيرة والمعروفة: «هذا ما حصل معنا في الثمانينات.. وحاولوا أن يكرروه الآن والبعض عاصر تلك المرحلة وربما هناك جيل لا يذكر هذه المرحلة مشيراً إلى حادثة وقعت إما في عام 1980 أو 1979 عندما قتل شيخان من طائفتين في مدينة واحدة وكادت تندلع الفتنة لولا وعي الأهالي.. وهذا هو ما يحاولونه الآن»!!.

كان على الرئيس السوري ألا يوجه لشعبه كل هذه الاتهامات المعيبة وألا يلصق بأطفال هذا الشعب العظيم أوصافاً جائرة لا يجوز أن تصدر عن إنسان يعتبر نفسه رمزاً لأهل بلد حضاري تاريخي وكان عليه وقد وصلت الأوضاع في سوريا إلى ما وصلت إليه أن يبتعد عن التصعيد وأن يتحدث بلغة العقلاء وأن يحاول التأسيس من خلال الكلام الطيب لتوجه تصالحي لإنقاذ البلاد والعباد من هذه الأزمة الخطيرة الطاحنة.
07/06/2012 - 03:37 ص

No comments:

Post a Comment